السبت، 31 مايو 2014

كانت






 الموقف ده حصل من حوالي 8 سنين .. موقف عابر ممكن أي حد يتعرض له ..لكن الشخصية اللي هتكلم عنها قدرت تصمد في ذاكرتي المنهكة طول الفترة دي .

الساعة 9 صباحا كنت واقفة في طابور البنك و تحديدا كنت رقم أتنين في الطابور .. رقم واحد كانت سيدة أربعينية مظهرها ملفت إلى حد ما .. وده لأن ملابسها و طريقة تصفيف شعرها يدولك إيحاء أنك رجعت لفترة السبعينات .. ومش بس كده لأ هوانم السبعينات بالأحرى .
اللي فكراه الجيب الحمرا والجاكيت الكاروهات أبيض في أسود و الحذاء بالكعب العالي ده غير الورده اللي في شعرها و شنطتها الصغيرة و اللي كانت مناسبة لحجم جسمها الضعيف .
كان واضح عليها جدا إنها مضطربة و مش مرتاحة لوجود ناس حواليها .
بعد عشر دقايق اتكرم موظف البنك و بدأ يشتغل
 وسألها : سحب ولا أيداع ؟
ردت بصوت مهذب : لو سمحت عاوزة أعرف حسابي فيه كام الأول
بطريقة آلية فتح حسابها على الكمبيوتر ..
 ورد عليها  : الحساب فاضي .
ردت بنفس الصوت : لأ معلش راجع تاني أكيد في غلطة .
قالها الموظف و هو بيبصلها بنوع من التعالي : الحساب فيه 10 جنيه .. خمسة من الأول و خمسة فوايد .

اختلست النظر حواليها و قالتله بإحراج : طيب لو سمحت أسحب خمسة و أسيب خمسة عشان الحساب ميتقفلش .
رد الموظف بصوت عالى كأنه متعمد يخلي الناس تسمعه : خمسه أيه ؟!!
المرة دي ردت بصوت مبحوح ومخنوق بالدموع ومحاولة للصمود : خمسة جنيه .

بصلها الموظف كأنها متسولة أو مجنونة بترمي بلاها عليه
 و قالها :  الخمسة جنية مش مستاهلة أعمل إجراءات سحب ومعلش في ناس منتظرين وراكي .. لو سمحتي أتفضلي .

لفت وتوجهت لباب الخروج و هي حاطه عنيها في الأرض لأنها كانت متأكده إن الكل بيبصلها .. وللأسف دي كانت الحقيقة .

للحظة كنت هخرج وراها لكن الموظف سحب دفتر حسابي و بطاقتي من أيدي .. ولما ألتفتله كان بيبصلي و بيبتسم كنوع من التهكم عليها .
خلصت بسرعة و خرجت تقريبا جري .. ودورت عليها لكنها أختفت .

مش عارفه كنت رايحة وراها ليه .. ولو حبيت أساعدها هقولها أيه .. لأنها مش متسولة .. هي سيدة كل غلطتها كانت أنها طلبت حقها حتى ولو كان بسيط .

كلام كتير و أسئلة متداخلة فضلت تلف في راسي زي الدوامة ..
 يا ترى الست دي كانت محتاجة الخمسة جنية بشدة ليه ؟؟ جايز محتاجة أكل ؟؟ أو على الأقل فلوس مواصلات تخليها تقدر توصل لحد تعرفه تستنجد بيه ؟؟ أو حتى توصلها لمكان تقبض منه معاش ؟؟

طيب و الموظف اللي رفض يعمل شغله و اعتبر نفسه بيتفضل على الناس بالكرسي اللي هو قاعد عليه .

فضلت على الحال ده لغاية ما أكتشفت أني وصلت بيتي مشياً على الأقدام .

في البيت فتحت شنطتي و لما شفت المبلغ اللي سحبته من البنك حسيت أد أيه هو كبير .. و أني مهما كنت محتجاله ففي النهاية احتياجاتي دي ممكن تكون مجرد رفاهية وكماليات عند ناس كتير عايشين حوالينا و مش بنحس بيهم .

القصة المحبطة دي حقيقية لكن مش نشراها هنا علشان أحبط حد .. بالعكس أنا كتبتها علشان كل واحد يقراها يفكر على الأقل مرتين قبل ما يجرح إنسان خصوصا لو كان بيطلب حقه .

بقلمي
شخابيط

الأربعاء، 26 مارس 2014

من مذكرات جنيه مصري



في البداية أحب أعرفكم بنفسي
أنا جنيه مصري واحد فقط لا غير .
التاريخ اللي مكتوب عليا بيقول إني مطبوع سنة 1995 .
أنهارده قررت أكتب يوم من مذكراتي ..أو بمعنى أدق آخر يوم عمل ليا قبل أجازة طويلة ..لأني وبلا فخر
موجود حاليا جوه علبه قطيفه حمرا و حواليا ورد مجفف و شوية كروت فيها كلام حب .يمكن يكون مُستغرَب أني هكتب يوم واحد لكن لكل شئ سبب .. الحقيقة أني أتعودت أمسح يوم بيوم من ذاكرتي من كتر اللي بشوفه من الناس واللي بتبان طباعهم الحقيقية و هم بيتعاملوا مع الفلوس .. لكن أكيد مش كلهم وحشين ..
اليوم الأخير بدأ لما كنت في الدرج الخشب عند عم عبده بياع الجرايد و جه واحد اشترى منه جرنال و أخدني مع الباقي .
عرفت بعد كده ان الواحد ده موظف في إدارة تعليمية و أسمه الأستاذ محمود ..
في طريقه للشغل مر الأستاذ محمود على عربية فول و بعد ما فطر دفع الحساب من الجنيهات الفضة و احتفظ بيا أنا في جيب القميص .
أول ما وصل شغله و قعد على مكتبه و طلب الشاي بدأ يقرا الجرنال و هو بيرد من وقت للتاني على زمايله اللي بيتكلموا في مواضيع كتير كلها مع بعض و هم بيخلصوا أوراق الناس اللي بدأت تتوافد على مكاتب الموظفين ... لكن واضح أن الأستاذ محمود مكنش فاضي للشغل لأنه كان مهتم جدا بقراية الجرنال و حل الكلمات المتقاطعة و كان أوقات يمضي ورقة أو أتنين و هو متضايق جدا و مش طايق نفسه .. و كل شوية كان تليفونه المحمول بيرن و كان بيخرجه من جيب القميص و يقفل و ميردش و هو بيقول أستغفر الله العظيم .
وفي مرة من المرات قرر يرد وسمعته بيقول بالحرف " أيوا في أيه ..عايزة أيه ؟؟ هو أنتو مبتشبعوش طلبات ؟؟ هتنيل أشوف حد يسلفني منكم لله ؟؟ طيب اقفلي بقا أنا مش فاضي .. سلام " .
قبل معاد أنتهاء يوم الشغل طَلّع الأستاذ محمود ظرف من درج مكتبه و أخد منه خمسين جنيه و حطها في جيب القميص  معايا و هو بيقول ... "حسبي الله و نعم الوكيل هو الواحد ميعرفش يشيل حاجة لنفسه على جنب أبدا ؟!! ".
بعد ما خِلص يوم الشغل خَرَج الأستاذ محمود و أخد جرناله و ركب ميكروباص و برضو دفع الأجرة من الجنيهات الفضه اللي في جيب البنطلون و أحتفظ بيا ..
في البيت و هو لابس بيجامته المقلمة و اللي كان قافلها لغاية آخر زرار أخدني مع باقي فلوسه و حطنا في جيب البيجامة اللي فوق برضو .
بعدها عطا لمراته الخمسين جنيه و هو بيقولها أنا أستلفتهم و أعملي حسابك هيتخصمو من مرتب الشهر الجاي  ..
مراته أخدتهم و فضلت تدعيله إن ربنا يوسع رزقه .
على الغدا ..
 الأستاذ محمود : ابقي جهزيلي هدومي عشان نازل القهوة بعد الغدا .
مراته : مش هتنام شوية زي كل يوم ؟
الأستاذ محمود : لأ مليش نفس أنام .. هو تحقيق ؟
مراته : لا يا خويا كفاله الشر تحقيق أيه .. أنا بس كنت عيزاك في موضوع كده بس لما تبقا رايق .
الأستاذ محمود : هو أنا بروق ولا برتاح أبدا .. أتفضلي يا ستي أشجيني .
مراته : لا أبدا بس البت جايلها عريس .
الأستاذ محمود : عريس !! عريس أيه بقا إن شاء الله و أنا معايا فلوس للكلام ده ؟
مراته : يا خويا لسه بدري على ما تتجوز و من هنا لوقتها يكون ربنا سهلها و أنا هبيع نصيبي في البيت اللي في البلد متشيلش هم ..بس البت عدلها جه و هي مش غاوية علام يبقا أيه لزوم أننا نقول لأ .
الأستاذ محمود : و مصاريف الضيافة و الذي منه ؟ .
مراته : معلش ياخويا أنا هتصرف بالخمسين جنيه .
الأستاذ محمود : ربنا ينكد عليكي يا بعيده .. بقا أنتي خليتيني أستلف من اللي يسوى و اللي ميسواش عشان كده ؟
مراته بمكر و دهاء : خلاص بلاش خد الخمسين جنيه و أنا هعتذر للناس و يادار مدخلك شر بس متزعلش روحك.. والله خساره العريس ده واد أبن ناس و أبوه عنده بدل الدكانة تلاتة .. و شقته موجوده ده غير أنه بيشتغل في ملك أبوه . بس خلاص الأمر أمرك .( قالتها و هي بتمد إيدها بالخمسين جنيه بعد مخرجتها من فتحة صدر الجلابية  ).
الأستاذ محمود وهو بيتظاهر أنه مش شايف الفلوس و باصص في طبقه : أنتي قلتيلي أبوه عنده محلات أيه ؟
مراته و هي بتداري بريق الأنتصار في عينيها : أدوات منزلية و أجهزة كهربا .. ده مليونير يا خويا عقبال أملتك .. و أبنه شاف البت وهي خارجة من المدرسة و مشي وراها للبيت و بعت أمه أنهارده الصبح تجس النبض .
دي ما شاء الله عليها و على الدهب اللي في أيديها و صدرها .. بس أنا قلتلها لما أشور أبوها الأول .. آه .. هو أحنا لينا بركة غيرك ؟
الأستاذ محمود : إحِم .. طيب خلاص خِلِصنا.. ابقي قوليلهم يتفضلوا يوم الخميس ع المغربية . لما نشوف أخرتها .
في اللحظة دي خرج أمجد الأبن الكبير من أوضته و سلم على أبوه و قاله : بابا محتاج فلوس عشان أصور ورق .
الأستاذ محمود مردش وكأنه مسمعش حاجة وكمل أكل .
أمجد : بابا أنا بكلم حضرتك .
الأستاذ محمود : أستغفر الله العظيم .. أبيعلكم هدومي عشان ترتاحو ؟
أمجد : معلش يا بابا أنا أسف هي بس خمسه جنيه عشان أصور كتاب من صاحبي .
الأستاذ محمود و الشرر بيطق من عنيه : خمسه جنيه لما تلهفك أنت و أختك في يوم واحد .. وأرتاح منكم .. مش كفاية الدروس الخصوصية يا فاشل ؟ ده أنا عمري مخدت درس في حياتي كلها .
أمجد : يا بابا الكتاب أصلا تمنه خمستاشر جنيه لو أشتريته و أنا محتاجه ضروري .. دي ثانوية عامة .
الأستاذ محمود : هم تلاتة جنيه مفيش غيرهم و لو مش عاجبك بلاش .
أم امجد دخلت في الحوار : خدهم يا أمجد و صور نص الكتاب و بكرا إن شاء الله أنا هكملك الفلوس .
الأستاذ محمود : أيوا ياختي وبعدين تقوليلي أستلف ... منكم لله سديتو نفسي .
في الوقت ده كان محمود أخد التلاتة جنيه و أنا من ضمنهم و نزل بسرعة جدا . مكنش مضايق وكان واضح عليه إن دا روتين هو متعود عليه مع والده . الحقيقة لو ليا رأي مكنتش دخلت جيب الأستاذ محمود أبدا ..
أمجد مرحش الدرس على طول .. لأن كان في بنت مستنياه قبل بيت المدرس بشوية خطوات .. سلمت عليه و مشيو جنب بعض و كنت سامع دقات قلب أمجد و أنا في جيبه..
الحوار اللي دار بينهم كان
أمجد : على فكرة أنتي وحشتيني أوي متيجي نتمشى وبلاش الدرس أنهارده .
ياسمين : لأ يا أمجد المرة اللي فاتت ماما سألتني أخدتي أيه أنهارده و أنا كنت هموت من الرعب و حسيت أنها عرفت .
أمجد : خلاص بس هعزمك على عصير قصب و أحنا مروحين .على فكرة أختي جالها عريس .. عقبالنا .
ياسمين : أبتسمت في حياء .و قالتله مبروك .
وهم قاعدين في الدرس أمجد خرجني من جيب القميص ..و كتب عليا " بحبك يا ياسمين  " و عطاني لياسمين عند بتاع عصير القصب و هم الأتنين في أسعد حالة ممكن يعيشها إنسان .
بعد ما وصلت ياسمين البيت لقت أبوها البشمهندس منير و أمها و أخواتها إسلام و هبة على السفرة .. سلمت عليهم و كانت هتدخل أوضتها . لكن أبوها نده لها وقال تعالي يا بنتي كلي معانا أنا مش بعرف طعم الأكل غير لو كلكم حواليا .
قعدت على السفرة و كانت كل شوية تلمس جيبها اللي أنا موجود فيه و كأنها بتطمن أني موجود أو جايز كانت خايفه إن حد يشوفني معاها .
أم ياسمين وهي بتحط اللحمة في طبق أبو ياسمين سألته و هي مبتسمه.. مالك شكلك تعبان .. قالها والله تعبت من الجري ورا الشغل و المناهده مع الناس .. ردت : طيب متحاول ترجع شغلك تاني . قالها مستحيل أنا عمري مدخلت قرش حرام على ولادي و لا عمري مديت أيدي و أخدت فلوس من مقاول .. أنا مليش مكان وسط الناس هناك ..أدعيلي أنتي بس .
أبو ياسمين : مالك يا ياسمين سرحانة و مش بتاكلي ليه ؟
ياسمين : لا أبدا يا بابا بس عندي أمتحان و خايفه شوية .
أبو ياسمين : لأ شدي حيلك بقا علشان تفرحيني بيكي زي كل سنة يا حبيبتي .
ياسمين وهي بتبعد عنيها عن عنين أبوها : حاضر يا بابا .
وأنتهى بيا اليوم ده في العلبة القطيفه اللي ياسمين مخبياها فوق دولابها و اللي فيها هدايا صغيرة و كروت فيها كلام حب من أمجد و ورق ورد بلدي مجفف ..
 أنا حاسس دلوقتي أن قيمتي اعلا بكتير من مجرد جنيه فكة .. فعلا القيمة الحقيقية للأشياء مش بتتحسب بقيمتها المادية لكن بتتحسب بدرجة أحتياج الناس ليها أو معناها عندهم .
تمت
 بقلمي شخابيط

ملحوظة : القصة دي لها نسخة تانية بأحداث و شخصيات مختلفة موجوده في مدونة هجايص للكاتب المتميز أستاذ شريف

وده لينك المدونة
هجايص

الخميس، 9 يناير 2014

الرأي و الرأي الآخر



إختلاف وجهات النظر لا يُفسد للود قضية
الحقيقة أن الإختلاف هو سنة من سنن الحياة
ومن لا يؤمن بذلك فإنما هو مخطئ بلا أدنى شك

منذ فترة ليست بقليلة و أنا أقرأ للكاتب الراحل فتحي غانم
حتى أصبحت من عشاقه .. و عملت على تجميع كل ما استطعت
الوصول إليه مما نُشر له من أعمال

و أعترف أن أكثر رواية له استمتعت بها على الإطلاق هي رواية
( الجبل ) ..( نشرت عام 1959 وكانت أول رواياته ).
و أدّعي بذلك أن من لم يقرأها إنما فاته الكثير
أود الحديث هنا عن مضمونها لسبب سوف يتجلّى في سطوري القادمة
لقد كانت الرواية مأخوذة عن قصة واقعية تتحدث عن أهل
الجبل في أحد مدن الصعيد ( القرنة ) والذين كانوا يعيشون حياة
بدائية جدا طالبين رزقهم من التنقيب عن الآثار و من ثَم بيعها
للسُياح بأسعار زهيدة .
ويعطينا الكاتب فكرة عن بدائيتهم لدرجة أنهم كانوا
يتغوطون في مجموعات بالعراء .

استهوى المكان بطبيعته الجغرافية و المناخية المهندس المعماري
حسن فتحي رحمه الله
والذي لُقب ب ( شيخ المعماريين ) و ( معماري الفقراء )
حيث قام بتصميم و بناء قرية سكنية كاملة تحت سفح
الجبل ليعيش فيها أهل الجبل حياة متحضرة .
وهذا الكلام مكتوب و موثق في كتابه ( عمارة الفقراء )بالتفصيل .
ما أود الإشارة له هنا هو ما يدعى ( اختلاف وجهات النظر ) ففي رواية
الجبل تبنى الكاتب فتحي غانم وجهة نظر أهل الجبل حين رفضوا
النزول للعيش في القرية الجديدة رفضا شرسا موجها رسالة للقارئ
مفادها أن المشروع كان بهدف خدمة مصالح شخصية لبعض المسئولين
ومن الطريف أن أحد أسباب رفضهم للقرية الجديدة هو أن المنازل قد تم تسقيفها بالقباب و التي كانت تذكرهم بشكل القبور.

بالعودة إلى كتاب (عمارة الفقراء) فسنعرف كم كان يدرس
المعماري حسن فتحي طبيعة القرية المناخية و الجيولوجية حتى
توصل في النهاية لبناء المنازل بأقل الأسعار و أنسب الأشكال
المعمارية لتحقيق مناخا معتدلاً داخل الحيزات ( التسقيف بالقباب )
ولكن رفض أهل الجبل للقرية الجديدة أدى إلى

 فشل المشروع

ومن يقرأ الكتابين سوف يكتشف فعلا كم كان لاختلاف في
وجهات النظر دوراً في ذلك

شخابيط